سورة الزخرف - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الزخرف)


        


{وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آَيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا وَأَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (48)}
فإن قلت: إذا جاءتهم آية واحدة من جملة التسع فما أختها التي فضلت عليها في الكبر من بقية الآيات؟ قلت: أختها التي هي آية مثلها. وهذه صفة كل واحدة منها فكان المعنى على أنها أكبر من بقية الآيات على سبيل التفصيل والاستقراء واحدة بعد واحدة، كما تقول: هو أفضل رجل رأيته. تريد: تفضيله على أمة الرجال الذين رأيتهم إذا قروتهم رجلاً رجلاً، فإن قلت: هو كلام متناقض، لأنّ معناه: ما من آية من التسع إلا هي أكبر من كل واحدة منها، فتكون واحدة منها فاضلة ومفضولة في حالة واحدة.
قلت: الغرض من هذا الكلام أنهنّ موصوفات بالكبر، لا يكدن يتفاوتن فيه، وكذلك العادة في الأشياء التي تتلاقى في الفضل وتتفاوت منازلها فيه التفاوت اليسير التي تختلف آراء الناس في تفضيلها، فيفضل بعضهم هذا وبعضهم ذاك، فعلى ذلك بني الناس كلامهم فقالوا: رأيت رجالاً بعضهم أفضل من بعض، وربما اختلفت آراء الرجل الواحد فيها، فتارة يفضل هذا وتارة يفضل ذاك. ومنه بيت الحماسة:
مَنْ تَلْقَ مِنْهُمْ تَقُلْ لاَقَيْتُ سَيِّدَهُم *** مِثْلُ النُّجُومِ الَّتِي يَسْرِي بِهَا السَّارِي
وقد فاضلت الأنمارية بين الكملة من بنيها، ثم قالت: لما أبصرت مراتبهم متدانية قليلة التفاوت. ثكلتهم إن كنت أعلم أيهم أفضل، وهم كالحلقة المفرّغة لا يدرى أين طرفاها {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} إرادة أن يرجعوا عن الكفر إلى الإيمان.
فإن قلت: لو أراد رجوعهم لكان، قلت: إرادته فعل غيره ليس إلا أن يأمره به ويطلب منه إيجاده، فإن كان ذلك على سبيل القسر وجد، وإلا دار بين أن يوجد وبين أن لا يوجد على حسب اختيار المكلف، وإنما لم يكن الرجوع لأنّ الإرادة لم تكن قسراً ولم يختاروه. والمراد بالعذاب: السنون، والطوفان، والجراد، وغير ذلك.


{وَقَالُوا يَا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ (49) فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ (50)}
وقرئ {يا أيه الساحر} بضم الهاء، وقد سبق وجهه.
فإن قلت: كيف سموه بالساحر مع قولهم {إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ}؟ قلت: قولهم {إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ}: وعد منوي إخلافه، وعهد معزوم على نكثه، معلق بشرط أن يدعو لهم وينكشف عنهم العذاب. ألا ترى إلى قوله تعالى: {فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ العذاب إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ} فما كانت تسميتهم إياه بالساحر بمنافية لقولهم: (إننا لمهتدون) وقيل: كانوا يقولون للعالم الماهر ساحر لاستعظامهم علم السحر: {بِمَا عَهِدَ عِندَكَ} بعهده عندك: من أن دعوتك مستجابة. أو بعهده عندك وهو النبوّة. أو بما عهد عندك فوفيت به وهو الإيمان والطاعة. أو بما عهد عندك من كشف العذاب عمن اهتدى.


{وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ (51) أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ (52) فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ (53)}
{ونادى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ} جعلهم محلاً لندائه وموقعاً له. والمعنى: أنه أمر بالنداء في مجامعهم وأماكنهم من نادى فيها بذلك، فأسند النداء إليه، كقولك: قطع الأمير اللص، إذا أمر بقطعه. ويجوز أن يكون عنده عظماء القبط، فيرفع صوته بذلك فيما بينهم، ثم ينشر عنه في جموع القبط، فكأنه نودي به بينهم فقال: {أَلَيْسَ لِى مُلْكُ مِصْرَ وهذه الانهار} يعني أنهار النيل ومعظمهما أربعة: نهر الملك، ونهر طولون، ونهر دمياط، ونهر تنيس: قيل: كانت تجري تحت قصره. وقيل: تحت سريره لارتفاعه. وقيل: بين يدي في جناني وبساتيني. ويجوز أن تكون الواو عاطفة للأنهار على ملك مصر. وتجري: نصب على الحال منها، وأن تكون الواو للحال، واسم الإشارة مبتدأ، والأنهار صفة لاسم الإشارة، وتجري خبر للمبتدأ وليت شعري كيف ارتقت إلى دعوة الربوبية همة من تعظم بملك مصر، وعجب الناس من مدى عظمته، وأمر فنودي بها في أسواق مصر وأزقتها؛ لئلا تخفى تلك الأَبَّهَة والجلالة على صغير ولا كبير وحتى يتربع في صدور الدهماء مقدار عزته وملكوته.
وعن الرشيد: أنه لما قرأها قال: لأولينها أخس عبيدي، فولاها الخصيب، وكان على وضوئه.
وعن عبد الله بن طاهر أنه وليها، فخرج إليها فلما شارفها وقع عليها بصره قال: أهي القرية التي افتخر بها فرعون حتى قال: أليس لي ملك مصر، والله لهي أقل عندي من أن أدخلها، فثنى عنانه {أَمْ أَنَا خَيْرٌ} أم هذه متصلة، لأنّ المعنى: أفلا تبصرون أم تبصرون، إلا أنه وضع قوله: {أَنَا خَيْرٌ} موضع: تبصرون؛ لأنهم إذا قالوا له: أنت خير، فهم عنده بصراء، وهذا من إنزال السبب منزلة المسبب. ويجوز أن تكون منقطعة على: بل أأنا خير، والهمزة للتقرير، وذلك أنه قدم تعديد أسباب الفضل والتقدّم عليهم من ملك مصر وجرى الأنهار تحته، ونادى بذلك وملأ به مسامعهم، ثم قال: أنا خير كأنه يقول: أثبت عندكم واستقر أني أنا خير وهذه حالي {مِّنْ هذا الذى هُوَ مَهِينٌ} أي ضعيف حقير. وقرئ {أما أنا خير} {وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ} الكلام لما به من الرُّتة يريد: أنه ليس معه من العدد وآلات الملك والسياسة ما يعتضد به، وهو في نفسه مخل بما ينعت به الرجال من اللسن والفصاحة، وكانت الأنبياء كلهم أبيناء بلغاء. وأراد بإلقاء الأسورة عليه: إلقاء مقاليد الملك إليه، لأنهم كانوا إذا أرادوا تسويد الرجل سوّروه بسوار وطوّقوه بطوق من ذهب {مُقْتَرِنِينَ} إما مقترنين به من قولك: قرنته فاقترن به، وإما من: اقترنوا، بمعنى تقارنوا: لما وصف نفسه بالملك والعزة ووازن بينه وبين موسى صلوات الله عليه، فوصفه بالضعف وقلة الأعضاد اعترض فقال: هلا إن كان صادقاً ملكه ربه وسوّده وسوّره، وجعل الملائكة أعضاده وأنصاره. وقرئ {أساور جمع أسورة} وأساوير جمع أسوار وهو السوار، وأساورة على تعويض التاء من ياء أساوير. وقرئ {ألقي عليه أسورة} وأساور، على البناء للفاعل، وهو الله عز وجل.

4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11